الذكاء الاصطناعي بين سباق التكنولوجيا وتحوّلات الجغرافيا السياسية

يشهد العالم اليوم ثورة غير مسبوقة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تتسابق الدول والشركات لتطوير تقنيات متقدمة تغيّر مسار الاقتصاد والصناعة. ومع صعود نماذج المحادثة الذكية مثل جي بي تي، ديبسيك، جيميني، وغيرهم، لم يعد الأمر مقتصراً على المختبرات البحثية، بل أصبح جزءاً من حياتنا اليومية، من المساعدات الرقمية وحتى أنظمة التشخيص الطبي. وفي خضم هذا السباق، برزت مبادرات رائدة في الإمارات، والصين، والولايات المتحدة، ما يعكس بوضوح أن التفوق في هذه التقنية لم يعد خياراً بل ضرورة استراتيجية.

الإمارات تدخل سباق الريادة مع إنفيديا

أعلنت الإمارات، عبر معهد الابتكار التكنولوجي في أبوظبي، عن إطلاق مختبر أبحاث مشترك مع شركة إنفيديا، يُعد الأول من نوعه في الشرق الأوسط. هذا المختبر لا يقتصر على تدريب النماذج اللغوية فقط، بل يمتد إلى تطوير الروبوتات الشبيهة بالبشر، والروبوتات رباعية الأرجل، وحتى الأذرع الآلية.

الاعتماد على شريحة "ثور" من إنفيديا يُمثل نقلة نوعية، إذ تتيح هذه الرقاقة بناء أنظمة روبوتية متقدمة قادرة على أداء مهام معقدة بكفاءة. هذه الشراكة تعكس رؤية الإمارات لتكون مركزاً عالمياً للذكاء الاصطناعي، خاصة بعد استثماراتها الضخمة في بناء مراكز بيانات عملاقة تعتمد على أحدث تقنيات الحوسبة الأميركية.

الصين: خفض التكلفة وتطوير البدائل المحلية

بينما تسعى الإمارات للتمركز في قلب المشهد العالمي عبر التعاون، تسلك الصين طريقاً آخر يقوم على تقليل الاعتماد على الرقائق الأميركية وتطوير بدائل محلية. شركة ديب سيك (DeepSeek) أعلنت أن تدريب نموذجها R1 لم يتجاوز 294 ألف دولار، مستخدمة 512 شريحة H800 من إنفيديا. هذا الرقم المتواضع بالمقارنة مع مئات ملايين الدولارات التي تتطلبها النماذج الأميركية، أثار ضجة كبيرة في الأوساط البحثية والمالية.

الأهم أن النموذج اعتمد على أسلوب "التعلم المعزز النقي"، الذي يمنح الذكاء الاصطناعي القدرة على التحقق من خطواته ذاتياً دون تدخل بشري مباشر. هذا التطور يطرح تساؤلات حول إمكانية انتقال بكين من مجرد منافس في السوق إلى لاعب قادر على قلب موازين القوة.

هواوي وتوسيع البنية التحتية

شركة هواوي عززت بدورها مكانتها في السباق عبر إطلاق حزمة ابتكارات خلال مؤتمر Connect 2025. أبرزها كان خارطة طريق لمعالجات Ascend، من بينها شريحة Ascend 950 المصممة لتسريع أنظمة التوصية ومحركات البحث، إضافة إلى شريحة Ascend 970 الموجهة للنماذج الضخمة والتوأم الرقمي.

كما أعلنت الشركة عن شبكة الحوسبة الفائقة Atlas 950 SuperCluster، القادرة على تشغيل أنظمة ذكاء اصطناعي عالمية المستوى. هذه الشبكة تعتمد على آلاف الشرائح، ما يجعلها منافساً مباشراً للبنى العملاقة التي تطورها إنفيديا في الولايات المتحدة.

أبرز مزايا خارطة هواوي:

  • شريحة Ascend 950PR: تحسين أنظمة التوصية وتسريع مرحلة توليد الإجابات.
  • شريحة Ascend 950DT: قوة في الاستدلال والتدريب مع ذاكرة فائقة السرعة.
  • شريحة Ascend 960: مزيج متوازن بين التدريب والاستدلال للنماذج متعددة الوسائط.
  • شريحة Ascend 970: أقوى الشرائح، مخصصة للنماذج اللغوية العملاقة والتوأمة الرقمية.

الحرب التكنولوجية بين واشنطن وبكين

التطورات التقنية لا تنفصل عن التوترات الجيوسياسية. فقد أصدرت الصين مؤخراً تعليمات صارمة لشركات مثل بايت دانس وعلي بابا بوقف شراء رقائق إنفيديا، في خطوة وصفت بأنها تصعيد مباشر في الحرب التجارية مع واشنطن.

في المقابل، لا تزال بعض الشركات الصينية تعتمد على الشرائح الأميركية لتدريب نماذجها الأكثر تقدماً، وهو ما يعكس فجوة قائمة رغم التقدم الملحوظ. إلا أن تسارع مشاريع مثل مركز بيانات تشينغهاي، الذي يعتمد بشكل متزايد على معالجات محلية، يشير إلى تحوّل تدريجي نحو استقلالية تقنية.

ابتكارات علمية: من النماذج إلى المواد الكمومية

إلى جانب المنافسة الصناعية، يفتح الذكاء الاصطناعي أبواباً جديدة في الاكتشاف العلمي. باحثو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا طوروا أداة "SCIGEN"، التي تساعد النماذج التوليدية على ابتكار مواد بخصائص كمومية فريدة. هذه الأداة تُمكّن من تسريع البحث عن مواد جديدة للحوسبة الكمومية والطاقة النظيفة.

على سبيل المثال، تمكّن العلماء من توليد أكثر من 10 ملايين مادة مرشحة بشبكات أرخميدية، ليُصنع منها مركبان جديدان أظهرا خصائص استثنائية. هذا التطور يعكس أن الذكاء الاصطناعي لم يعد أداة حسابية فقط، بل شريكاً فعالاً في الاكتشاف العلمي.

في الختام

يتضح أن سباق الذكاء الاصطناعي لم يعد يدور حول تطوير نماذج دردشة فقط، بل أصبح معركة تكنولوجية شاملة تشمل الرقائق، الحوسبة الفائقة، والابتكارات العلمية. الإمارات تراهن على الشراكات الاستراتيجية، الصين تسعى للاستقلالية وخفض التكلفة، فيما تواصل الولايات المتحدة تعزيز تفوقها عبر إنفيديا. وبين هذه المحاور، تتحدد ملامح المستقبل الرقمي والاقتصادي للعالم.

محمد وسيم
محمد وسيم
تعليقات